موضوع: بطلان الإعــــــلان القضائي
بطلان الإعلان في نطاق في نطاق إجراءات الدعوى هو أكثر الجزاءات التي يتم التمسك بها ، ومن ثم فإن دراسة وفهمه في ضوء تحقق الغاية منه ولو تم معيناً يبدو أمر عظيم النفع .
ويعرف بطلان الإجراء في أبسط معنى له : بأنه جزاء يترتب على مخالفة العمل الإجرائي لنموذجه القانوني الموجود من الناحية النظرية في النص القانوني ، ومن ثم ففكرة البطلان فكرة واحدة أياً كان الفرع من ففروع القانون الذي توجد فيه ، فهو في جوهره جزاء .
ومن ثم فإن ا لسؤال الذي يطرح نفسه . هل كل مخالفة تقع في الإجراء لنموذجه القانوني تعتبر عيب يبطل الإجراء ويجعله عاجزاً عن إنتاج أثره ؟ ، وهل يتفق ذلك مع السياسة التشريعية ، أم أن هنالك حالات ينتج فيها الإجراء أثره بالرغم من تعيبه ....... وإذا كان الأمر كذلك فما هو الضابط ؟.
والإجابة على ذلك نقول أن هناك ارتباط بين العمل الإجرائي وبين تحقق الغاية من الإجراء أو عدم تحققها فغاية النشاط أو العمل هي نتيجته أو آثاره النهائية بالنظر للوضع العادي للأمور وأخذا في الاعتبار لطبيعة النشاط ومجاله ، فالنشاط المادي كحركة القلب والرئتين مثلا يهدف الي تحقيق غاية معينة , بالنسبة للقلب هي ضخ الدم , وبالنسبة للرئة هي استبدال الهواء الفاسد بآخر نقي - هذه الغاية التي تحققها هذه الأعضاء محكومة بطريقة عمل الهيكل الذي توجد به , ولا يمكن لهذه الأعضاء أن تؤدي وظيفة مختلفة لأنها تعمل لتحقيق غاية خاصة بها , هذه الغاية تتضافر مع غايات أخري لأعضاء أخري تحقق غاية كلية هي غاية النظام الخاص بها 0
نفس الشيء يوجد في مجال النظم القانونية والإنسانية , كل جزء في كل له هدف , هذا الهدف يعمل في نطاق كل شامل ، ويعمل بالتنسيق مع غيره من جزئيات لتحقيق هدف الكل الذي ينتظمه هو وغيره من جزئيات ، ويربط الجميع وينظم عمله النهائي للكل - وفي القانون الإجرائي يوجد تنظيم مماثل , كل إجراء له هدف ، والكل الذي تنتظم هذه الإجراءات فيه أي الخصومة لها هدف ، وأهداف الإجراءات المختلفة أو غايتها يسيطر عليها سيطرة كاملة محكمة الهدف النهائي للنظام الذي تعمل بداخله 0
مفهوم غاية العمل الإجرائي :
إذا كانت غاية العمل الإجرائي هي نهايته الطبيعية والمرسومة في التشريع المنظم له 0 فإن السؤال الذي يواجه الفقيه الآن هو: هل يقصد بالغاية من الإجراء الغاية منه ككل أي الغاية من الإجراء كوحدة مستقلة ، أم يقصد بالغاية الغاية التي يحققها كل عنصر من العناصر التي تكون الإجراء ذاته ، وسواء كانت هذه العناصر متعلقة بمقتضيات الإجراء الموضوعية ، أو بمقتضياته الشكلية ؟ .
بل أكثر من هذا فإن هناك سؤال آخر يثور وهو : هل المقصود بغاية العمل الإجرائي الغاية التي يحققها هذا العمل بذاته ، أم انه ينظر الي هذه الغاية علي ضوء النظام القانوني الذي يعمل في داخله الإجراء محل الاعتبار؟ .
ويري بعض الفقه أن غاية العمل الإجرائي لا يقصد بها تلك الغاية الشخصية التي يرمي إليها الشخص الذي يقوم بهذا العمل ، فالغاية المقصودة هنا هي الغاية الموضوعية للعمل الإجرائي أي الغاية التي يحددها القانون لهذا العمل الإجرائي ، وبمعني آخر يقصد بغاية العمل الإجرائي الوظيفة الإجرائية التي رسمها القانون للعمل بين مجموعة الأعمال الإجرائية المكونة للخصومة - ويري هذا الفقه أن تحقق الغاية الموضوعية أو وظيفة العمل لايمكن التأكد منه إلا بالنظر الي الخصومة في مجموعها ، ذلك أن الغاية من العمل قد يشترك في تحقيقها ظروف وأعمال أجنبية عنه ، كما يري هذا الفقه أن تقدير تحقق الغاية الموضوعية من العمل أو عدم تحقيقها متروك لتقدير قاضي الموضوع الذي لايخضع لرقابة محكمة النقض فيه متى بني تقديره علي أسباب معقولة
هذا هو تصور غاية العمل الإجرائي في القانون الايطالي
كما أثبته الأستاذ الدكتور/ فتحي والي في رسالته نظرية البطلان .
ويري هذا الفقيه أن هذا النظر الذي أخذ به القانون الايطالي لم يعتنقه المشرع المصري وإنما أخذ في قانون المرافعات المصري بما نادي به هذا الفقيه ( فتحي والي ) من أنه يجب النظر لا الي الغاية من العمـل الإجرائي ككل وإنما يجب أن يؤخذ في الاعتبار الغاية التي قصدها المشرع من الشكل كمقتضي من مقتضيات هذا العمل .
ويري هذا الفقيه أنه إذا كانت المادة 20 من قانون المرافعات المصري تنص علي ( الغاية من الإجراء ) فإن المقصود بهذا علي ضوء الأعمال التحضيرية هو الغاية من الشكل ، والجميع يكاد ينعقد في مصر علي هذا المفهوم
وإذا كان هذا ا لمعني الواجب فهمه في رأي جمهور الشراح في مصر لفكرة الغاية المنصوص عليها في قانون المرافعات المصري , فإنه يجب أن نلاحظ الآن باختصار وعلي ما سوف نزيده إيضاحا أنه قد تتحقق الغاية من الإجراء ومع ذلك يكون الإجراء باطلاً لعدم تحقيق الغاية المقصودة من الشكل ، ومثال ذلك الإعلان القضائي فهو كإجراء يهدف الي تحقيق غاية معينة هي تمكين المعلن إليه من العلم بأمر معين ، وقد تتحقق هذه الغاية ، ومع ذلك يكون الإعلان باطلاً لنقص بيان من بيانات الإعلان مثل التاريخ أو توقيع المحضر , إذ أن كل بيان من هذه البيانات يهدف الي تحقيق غاية خاصة به ، فإذا لم تتحقق هذه الغاية الخاصة كان الإعلان باطلاً رغم تحقق غاية الإجراء .
ويؤدي معيار الغاية ، كأساس لإعمال جزاء البطلان ، الى ضرورة أن يقوم القاضي بالبحث في كل حالة علي حدة عما إذا كانت الغاية الموضوعية التي قررها القانون للإجراء أو الشكل قد تحققت أو لم تتحقق والقاضي هنا لا يقضي بالبطلان إلا إذا ترتب علي العيب الشكلي عدم تحقيق الغاية المقصودة منه ، أما إذا تحققت الغاية فإن الإجراء يكون صحيحا رغم تعيييبه من ناحية الشكل - والواقع أن معيار غاية الإجراء القضائي ، كأساس لإعمال جزاء البطلان ، تمليه القواعد العامة في القانون الإجرائي من جهة ، كما تمليه فكرة السلطة التقديرية للقاضي من جهة أخري ، فمن ناحية القواعد العامة في قانون المرافعات يري البعض أنه إذا تمسك الخصم بالبطلان استعمالا غير مشروع مما يعد تعسفا في استعمال الحق 0
ومن جهة السلطة التقديرية للقاضي فمن المعروف أن هذه السلطة تتقيد دائما بالغاية المخصصة لها وبما أن الأشكال الإجرائية هي في مجموعها مجرد وسائل مكرسة لخدمة الحق الموضوعي عن طريق نشاطها في الخصومة فان كل ذلك مقيد بالغاية المرسومة لهذه الإشكال الإجرائية وهذا مايقدره القاضي بسلطته التقديرية
ومع ذلك فهناك حالات لا يجوز فيها الاستناد علي معيار الغاية لإعمال جزاء البطلان - ومعني هذا أنه في بعض الأحوال قد يحقق الإجراء والشكل الغاية المقصودة منه ورغم ذلك فإنه يكون باطلا ، وعلي ذلك فإن كان الإجراء معدوما ، فإنه لا يجدي للتمسك بصحته إثبات أن الغاية قد تحققت منه ومثال ذلك عدم إعلان ورقة التكليف بالحضور ومع ذلك حضر الخصم الجلسة بالمصادفة ، هنا مثل هذا الحضور لايصحح الإعلان بحجة تحقق الغاية منه
أيضاً إذا كان الإجراء مشوبا بالبطلان لتخلف أحد المقتضيات الموضوعية اللازمة لصحة الإجراء ، كما إذا كان الإجراء صادراً من شخص ليس أهلاً لإصداره أو لم يتضمن موضوعاً محدداً ، فهنا يكون الإجراء باطلا حتى لو تحققت الغاية منه0
أيضاً إذا تخلف الشكل وكان هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق الغاية المقصودة منه ، فإن تخلف الشكل في هذه الأحوال يؤدي إلى بطلان الإجراء حتما دون حاجة إلى البحث عن تحقيق الغاية من الإجراء أو عدم تحققها مثال ذلك توقيع المحضر علي الورقة إذ هو الشكل الوحيد اللازم لإسباغ صفة الرسمية على الورقة وبالعكس إذا تم الإجراء مستوفياً كل الإشكال التي نص عليها القانون فإنه يكون صحيحاً حتى ولو لم يحقق الغاية منه ، كما إذا تم الإعلان صحيحاً ولكنه لم يصل إلى علم المعلن إليه شخصياً .
وإذا تخلف عن الإجراء شكل من الإشكال التنظيمية فإنه يظل صحيحا دون بحث عن تحقق الغاية أو عدم تحققها - هذا هو تعريف معيار الغاية كما يراه جمهور الشراح في مصر